السبت، 24 مايو 2014

#اعترافين


يحكى قائلا : قديما منذ عدة سنوات كنت أقضى وقت أجازتى الصيفية فى عملٍ ما وكل صيف حسب عمله , كانت إحدى الأعمال هى خدمة توصيل الطلبات "دليفيرى" وكنت أقضيها ماشيا , وبرغم حر الصيف القاسى فكنت أستمتع جدا بموضوع المشى فى حرارة الشمس وكان لديَّ فكرتين أستمتع بهما أثناء المشى.
الأولى : كانت عبارة عن مباريات المربع الذهبى لكأس العالم , وكان دائما المربع الذهبى يضم أربع منتخبات : إيطاليا - البرازيل - هولندا - (أسبانيا أو فرنسا)
وكان فى ذهابى بختار فرقتين ضد بعض وبتكون المباراة عبارة عن الحصى والزلط الصغير الموجود بالشارع وبصّوبه بقدمى تحت السيارات الراكنة أو المارة بجانبى , وكان الفيصل فى السيارات إن السيارات الغامقة اللون هى مرمى إحدى الفريقين والسيارات ذات الألوان الفاتحة هى مرمى الفريق الأخر !
وفى حالة إن السيارة راكنة ومغطاه, إذن نحتكم للون الغطاء إذا كان غامق أو فاتح !
وفى أثناء العودة بيكون المباراة الثانية بين الفريقين الأخرين , والفائز من اللقائين بيصعد للمباراة النهائية والتى تكون فى المشوار الذى يلي مشوار مبارات الدور قبل النهائى.
كان فى ملحوظة هامة بتؤثر على نتيجة المباريات : إن الحصى اللى تدخل تحت سيارة ماشية بجانبى الهدف فى الحالة دى بيتحسب بهدفين طبعا لإن التسديد أسفل عجلات سيارة متحركة أصعب من التسديد تحت عجلات سيارة ثابتة فى مكانها ..
ومن الطريف إن منتخب إيطاليا دائما كان هو الفائز بكأس العالم بصورة شبه يومية.
الوسيلة الثانية للإستمتاع : كانت عبارة عن المشى على الرصيف , تحديدا على الرصيف الملون بأسود وأبيض وكنت أحاول المرور من حجر أسود لأسود دون لمس الأبيض أو إنى كنت بمر مثلا على نقطة تجمع مياة وأثب فوقها بطريقة بهلوانية وكنت بحس بسعادة بالغة جدا فى هذا الفعل !!
ثم كان الأمر الأغرب منى حينها إنى كنت بلعب بالأشياء المحيطة بى فى الشارع , فمثلا لو إفترضنا إنى داخل شارع يمين وإن أول سيارة راكنة فى هذا الشارع كانت حمراء مثلا فذلك يعنى إن اليوم سيبقى جميلا مثلا !
أو لو إنى إشتريت مجموع شوكولاتة وبسكويت وقفل حسابى 3 جنيهات فقط فهذا يعنى إنى ممكن أكافئ نفسى بشراء حلويات بالمتبقى من الـ 5 جنيهات الورقية شريطة ألا يزيد عن الـ 5 جينهات بأكثر من 0.75 قرش مثلا وإلا فإن أمرا سيئا سيحدث ..
كان هذا الأمر من الغرابة بمكان فى نفسى لما كبرت وتخيلت منظرى فى تلك الأثناء ,
بل أتذكر إن أحد الكبار فى تلك المنطقة التى كنت أمارس فيها إستمتاعى استوقفنى مرة وسألنى لماذا أمشى كأننى تائه فى الطريق , أطلع رصيف وأنزل وأقترب بشدة من سيارة وأبتعد عن أخرى ؟!
وكنت أذوب خجلا خشية أن أحدثه بما أفعل وإيمانا منى أنه لن يستوعبنى !!
مؤخرا قرأت "اعتراف منتصف الليل" لـ جورج ديهامل وذكر في إعترافاته إنه كان يفعل نفس ما أفعل أثناء سيرة فى ضواحى باريس البائسة !!!!
وهذا نص كلامه :-
"وإليك ما حدث فى هذا الأمر من جنون: تأتى لحظة لا أستطيع فيها أن أذود فكرى عن قصة الفجوات هذه, ثم أحس قليلا قليلا وأنا أتظاهر بأنى لا أقيم للأمر وزنا , أنى أمد خطواتى أو اقصرها حتى تقع نعلى على الفجوة تماما , وأفعل ذلك بغير اكتراث , كأنى أود أن أخفى عن نفسى ما أفعل , وتستمر هذه الحالة زمنا , ثم ألاحظ فجأة أن الخيال يبدء فى دوره فأقول لنفسى : لا لست أنا الذى أقول بل هو شئ فى نفسي بغير أن يكون هو نفسى , أقول لنفسى إذا لم أبلغ ثالث مصباح من مصابيح الغاز وأنا أخطو بإنتظام خطوتين على كل قطعة جرانيت , فسوف يقضى على حياتى بالضياع , وعلى محاولاتى بالفشل , فإذا وصلت إلى ثالث مصباح عينت لنفسى واجبا آخر , كأن أصل بتلك الشروط نفسها إلى كشك لبيع الصحف مثلا !
ذلك والشيطان يتمتم : إذا سار كل شئ كما ينبغى .. إذا ضبطت خطوتيك , فلا بد أن يصيبك بعض الخير فى يومك هذا.
آه ! أممكن حقا يا سيدى أن يكون المرء غبيا إلى هذا الحد ؟
تذكر أنى لا أومن البتة بالخرافات , وتذكر على وجه الخصوص أنى حين كنت أتصنع هذه الأحاسيس لم أكن أكف عن التأمل فى نفسى تأملا يشوبه الإحتقار بل فى أكثر الأحيان عن التفكير فى أمر بعيد .."

أخيرا : إن فكرة كتابة جورج ديهامل لإعترافات منتصف الليل كانت تصوير المحنة والبؤس الذى يعيشه الفرد فى العصر الحديث وصراعه مع أفكاره ومعتقده .
والخلاصة إن المقطع السالف الذكر هيّج ذكريات تلك الأفعال الحمقاء فى ذاكرتى , بل إنها دفعتنى لأفعل إحداها الليلة وربما اخترت فعلا جديدا قد يكون حدوثه يعنى أن خيرا كثيرا فى طريقه للإقتراب منى.
وآمل أنك تفعل مثلي !
لا أدرى مالذى ينبغى فعله بعد قراءة تلك الكلمات ولا الإحساس الذى ينتاب قارئها ولا مدى السخط الذى قد يعترى أحد الذين أنفق وقته فى قراءة هذا الهراء , لكن من المؤكد أن لكل منّا فَعلَه يحتفظ بها لنفسه كانت تعبر عن مدى حماقته مع نفسه وربما كانت سبيلا للتندر وسرد الحكايا فى ليلة مظلمة على ضوء شمع بائس فى طريقه للإنتحار رويدا رويدا.

الاثنين، 3 مارس 2014

سيرة ذاتية


بأِسا كعادته استيقظ من نومه بلا أمل فى الحياة, يقلب فى هاتفه لمح جديدا فى صندوق الوارد, ألقى نظرة خاطفة وجدها رسالة بشأن التأكيد على مقابلة وظيفية مُقرر إجرائها فى الغد.
استَلم التفاصيل وكان عليه أن يستعد لتلك المقابلة, 
استعار حُلة صديقه وبدا وسيما حينما أزال لحيته ذات الأربعين يوما وبات ليلته يحلم !
كان أول ما فكر فيه ليس قبوله أم لا ,لقد كان فقدان تلك الوظيفة أمر مستحيل بالنسبة له رغما عنه, فرفْضه يعنى أن يترك تلك الوحدة السكنية التى يقطنها وأشياء أخرى , لكنه كان يفكر فى سداد ولو جزء من ديونه التى صارت تُكَّبلهُ حتى عن النزول للشارع , وبات الليل يفكر فى بعض حقوق مشروعة له كإنسان وحُلماً له كمواطن ! 
بات ليلته يُقّسم مُرتّبهُ الأول بين سداد جزء من دُفعات الإيجار المتأخرة وبين أن يكون حراً ببقاء بعض النقود فى جيبه فى أى وقت , 
بل إن الحُلم إمتد به ليحلم بالزواج والتفكير فى المستقبل !!
كان يعلم أن تلك الأمور لا تتعدى الحُلم حينها لكنها قد تصبح حقيقة واقعية لو أراد الله.
بات الليل طويلا أكثر مما ينبغى , رغما عنه لم يستطع النوم , فما أسوأ أن يتعلق الإنسان بأمرٍ ما يشعر أن لا شيء بعده فى الحياة وقد كان !!
فى الصباح الباكر لم يتنظر قرب الموعد المقرر له الحادية عشرة ظهرا , ارتدى حُلته واطلع على بعض أوراق وتقارير خاصة بمجال عمله ونبذة عن تلك الشركة حتى قبيل الموعد المُقرر وانصرف فى غِمار نشوته وإحساسه أنه صبرَ كثيرا وحانت لحظة التعويض !
إحساس توتر مشوب بالقلق نسيَّ على أثره أن يحمل حافظة نقوده التى تحتوى على بطاقته, يخرج إلى الشارع لا يلتفت لأحد ممسكا سيرته الذاتية بيد والأخرى متحسسا بها الورقة فئة العشرين جنيها كل ما يملك فى هذه الحياة.
اِنطلق إلى مقر الشركة التى دعته , قبيل الوصول إليها فى رمسيس صادفه تجمع من الشباب عند دار القضاء العالى , بدت السماء ذات غيوم حينها ودُوارٌ أصابه فجأة لا يُعرف سببه ..
لم ينتبه إلى ما حدث غير أن إحدى قنابل الغاز إنتشرت فى الميدان , اختنق , سعل , لم يرَ شيئا ,,
دويُّ هِتاف , وصوتُ رَصَاص كل ما كان يمكن تمييزه قبل لحظات.
إخترقت جسده رصاصة حية _أكثر منه_ أسقطته أرضا , 
حين تجمع الناس حوله كان يلفظ أنفاسه الأخيرة, 
لم يتعرف إليه أحد غير أن سيرته الذاتيه صحبته إلى المشرحة.
هاتفه يدق , يرد غريب : البقاء لله , فارق الحياة.
كان غريبا حيا وميتا وكذلك كان الأخرون.

الثلاثاء، 21 يناير 2014

#ثم_يكون_لقاء

من قال إن الوداع مؤلم لا يعرف شيئا عن الألم , من قال إن لحظات الفراق قاسية لا يعرف شيئا عن القسوة , من قال إن الإنتظار على أمل العودة حميد لا يعرف كيف يكون الألم ممتزجا بالقسوة نموذجا مثاليا للأمل فى تلك اللحظات حتى اللقاء ثانية. 

حين الوداع تتزاحم الكلمات فى رأسك لا يسع اللسان أن يرتبها, كلمات كثيرة تضل طريقها إلى فمك فى زحام الأفكار !
لكن عيناك تقول شيئا ما , تقول إن الروح التى تطير تحمل معها روحها أخرى, 
غير أن إختناق يصيبك فور طيران إحدى الروحين وبقاء الأخرى فى موقعها أرضا !
فى السماء تحلق أمنيات متعلقة بالحنين والشوق إلى البقاء , وفى الأرض أمنيات تُصلى لأجل الأمل , الأمل فى اللقاء مرة أخرى.

للوداع هيبته, وله إحترامه, تمر لحظاته بكل لحظة كانت برفقة من تودعه جاعلة من لحظات الوداع أسوأ ما يمكن قضاؤه من زمن مع هذا الرفيق ,,
تتماسك خشية البكاء وفى عينيك دموع تفضح نواياك : لو كان بوسعك ماتركت اللقاء القادم متشبثا بأمل العودة من جديد, مابقيت وما وافقت على رحيل الأخر أو العكس.

فى الأخير تحتاج إلى عناق يسرى عما فى جوفك مِن حاجة إلى مَن يحنو عليك , يهدهد مشاعرك قليلا , يخبرك أن المدة لن تطول , وأن أياما تمر سريعا ثم يكون اللقاء أجمل بعد إشتياق وبعد حنينٍ خفى.

حسنا من قال أيام ؟
أيا ما كان لا أحد إلى الأن عرف أن يتوصل إلى سر الأيام التى تكون بألف مثلها,
لا أحد مطلقا .. لا أحد كالذى يودع حبيبا ينتظر لقاءه حين العودة.

‫#‏ثم_يكون_لقاء‬

الأربعاء، 3 أبريل 2013

عاهرة المقهى

"رحلة العودة إلى المنزل مليئة دوما بالمفاجأت. "


فى منتصف رحلة العودة ليلا بعد يوم مرهق من العمل خرجت حاملا بيدى فتة الشاورما التى أحبها من ذاك المطعم المشهور ,,
توجهت إلى أقرب مقهى لأتناول طعامى ثم أكمل رحلتى ,,
دخلت المقهى فاخترت أقرب مقعد على يمينى وجلست مبتدأً التلذذ بما أشتهيه مما فى يدى ,,
لاحت لى كخيال فى بادئ الأمر حيث الظلام هو الذى جذبنى لهذا المقعد ,,
لم أعر إهتماما لخيال ,, ثم أكملت طعامى لكنها إقتربت منى بصورة لا أعلم إن كانت مقصودة أم لا ,, سرعان ما جلست بجوارى ,, وأنا فى حالة إندهاش من فعلتها !
إبتسمت لها فى دهشة على تصرفها فلم تعرنى إهتماما !!
نظرت فى عيناها فنظرت بجرأة عاهرة إعتادت على تلك النظرات ,,
لم أتّفوه بكلمة, أكملت طعامى فوجدت يدا تمدد لتلامس فخذى ,,
إنتفضتُ بقشعريرة إنتابت جسدى كله جراء فعلتها وتأكدت أنها .. أنها .. أنها عاهرة.


"عاهرة بلا جرأة هى عاهرة مبتدئة"

نظرت لى بشفقة ولم تزل يدها فى مكانها ,,
أشفقت علىَّ بخبرتها وفى المقابل لاحت لى لوهلة أنها سارقة محترفة !!
رفعتْ يدها أخيرا وكان فى المقابل أن ضعفت أمام لمستها "السحرية"
دعوتها لمشاركتى فى الطعام لم ترفض ,, ثمة ملعقة واحدة ولا توجد واحدة لها ,, ناولتها بيدى قطع الشاورما فتناولتها فى سعادة ,,
سعادتها بدت على وجهها وفى عيناها وهى تلتقط منى قطع الشاورما بشفتيها !!
أصابنى الخجل فتلفت يمنة ويسرة لأرى هل يراقبنا أحدهم ؟!
إن كانت هى عاهرة ومعتادة على ذلك فأنا لاأقبل بهذا الموقف المحرج أبدا.
حمدت الله أن الجميع ملتف حول شاشة كبيرة يتابعون مبارة كرة قدم يبدو أنها مهمة ,,
سرّب ذلك فى نفسى إمكانية التمادى معها فى فضول لمعرفة ماذا تريد ..
أنهينا طعامنا سويا وكانت تنظر لى نظرات غريبة وعيناها واسعة وبداخلها ثرثرة كثيرة تحتفظ بها لنفسها !
كان لزاما أن أتناول مشروبا بعد الطعام ,, وجودها سيكلفنى ثمن مشروبين.


"من الأفضل أن تكون غبيا حينما يتعلق الأمر بالمال."

طلبت كوبا من عصير البرتقال الطازج وتجاهلتها ,,
لم تبدى أى إعتراض واكتفت بإبتسامة غريبة لم أفهمها ,,
ربما فكرتْ أننى وإن لم أدفع لها ثمن مشروب فإننى بالتأكيد سأدفع ماهو أكثر من ذلك لاحقا !
شربت العصير على مهل وهى بجوارى أنظر لها من حين لأخر لأجدها تنظر هنا وهناك ,,
ربما لم أنل إعجابها فهى تبحث عن فريسة أخرى !!

"العاهرات لا يبحثن عن فريسة العاهرات هن الفريسة فى حد ذاتها !"
إستغربت جدا من تفكيرى بهذه الطريقة الغريبة وقررت الإنصراف لأرى رد فعلها ,,
نظرت أرقب المباراة التى تجرى وقائعها على الشاشة الكبيرة أمامى فسمعت صوت مناداة مبهم ,,
 العاهرات وحدهن يفهمن هذا الصوت ,, سرعان ما قامت من جوارى فى صمت وسارت بدلال , فرمقتها بعينى إلى أن وصلت إلى طاولة دائرية على الجانب الأخر يحيطها خمس شباب وأقتربت منهم وبدا بينهم حديثا لم أكن لأعرف ماهيته,
العاهرة !!

لقد قاسمتها طعامى فكان جزائى أن باعتنى فى أول مناداة لها ,,
هى لم تخطئ, أنا من فوتَ الفرصة التى أتاحتها لى ,,
دفعت ثمن المشروب وفى طريقى للخروج من المقهى ألقيت عليها النظرة الأخيرة وهى بجوار الشباب ,,
إنها حقا عاهرة ,,

بالأحرى هى قطة عاهرة.
عاهرة المقهى كما يبدو لى وللشباب الأخرين الذين تركتهم يداعبونها !!

الخميس، 7 مارس 2013

الوفيات


قدارته فى القراءة جيدة بما يكفى لقراءة عناوين الجرائد فى الصباح,, يتأهب كل صباح لممارسة هذا النشاط ,,تستهويه الصفحة ماقبل الأخيرة 
..صفحة الوفيات..

يتأمل الراقدين صورا وكلاما فلا يتغير لونه ولا يشحب وجهه ولا يفكر فى كون التراب يعلو جسده فى القبر لتعلوا فوق صورته
 "يآيتها النفس المطمئة*ارجعى إلى ربك راضية مرضية" أو "طوبى لمن اخترته ليسكن فى ديارك للأبد" فى صفحة الوفيات.
سرعان مايطمئن إلى أن صعلوكا مثله لن يُمثّل بخبر وفاته كمايُفعل بهؤلاء الحمقى,, فيطمئن.

ذات صباح وقعت عيناه على الإسم الثُنائى/ "عبدالباقى خليفة" فى رحاب الله ولا يعلو فوق إسمه شئ ! ,, 

اشتعل الغضب فى جنباته
متسائلا من يجرؤ على كتابة نعيه هكذا وهو مازال على قيد الحياة؟!

,,هدأت ثورة غضبه  متذكرا  أنه الصعلوك الذى لن يمُثّل به فى صفحة الوفيات ,,وأن الأحياء الذين يموتون بعد ذلك هم الذين يرقدون فى تلك الصفحة,,
 أما هو فهو أحد الموتى الذين يرقدون فى صفحة الحياة! 

الجمعة، 8 فبراير 2013

إستراحة محارب


زحامُ وسط المدينة ,
يكاد يكتم الأنفاس رغم برودة الطقس,,
غيمٌ في السماء لاينكشف,
ولا يوحي بسقوط مطر !

يخترق حواجز الصمت مطالباً بحقه,,
فهو يدرك أن حق لايسأل عنه صاحبه
فهو لايستحقه //

يستريح من عناء الطريق ,
فيعمد إلي أريكةٍ علي جانبه,
ثم يغفو  |في إشارة لحلم |
فيستقيظ بعد دقائقَ ثلاث ,
في الدقيقة الرابعة بين حلمٍ وواقع يدرك نقاط الإلتقاء بينهما بتأنٍ ,
ينهض واقفا ليجد نفسه في جنة
بعيدا عن كل مارأي قبلا!

يده تقطر دما ,
يسعى لتطهيرها,
كان صراعا مع اليأس بحلمه,
توجه ليزيل آثار الدماء
ويغسل يده في نهر العطاء
ليجنِ براعم الحق التى صارت زهورا تملأ الكون
فحولته لــ جنة.

يدرك الآخرون آخيرا أنه غفوته علي الأريكة كانت بمثابة
إستراحة محارب !

الأحد، 30 ديسمبر 2012

ربما كانت الحياة أقصر !



على إحدى أرصفة القطار السائر فى المدن (ترام) يجلس هذا الولد ذو العشرة أعوام أو ربما تزيد عاما آخر,يجلس مع والده المستند إلى إحدى لوحات الإعلانات التى تغمر رصيف (الترام) إحدى الإعلانات المزروعة فى الأرض وكأنها نبتت من تربة الرصيف,
كان إعلانا يحمل حملة جديدة لإحدى مطاعم الوجبات الجاهزة (ماكدونالدز),لم يتوقف عندها الولد
كثيرا كان مشغولا بشىء آخر ,,
هذا الصباح الذى تكسوه البرودة يحتاج للتدفئة بأى وسيلة, يفكر الولد فتخطر بباله فكرة يتوجه على الفور لتنفيذها ,
خلف الإعلان الذى يستند إليه والده هناك ثلاثة أوعية كبيرة من القمامة التى جمعها ثنائيتهم من قمامة قاطنى هذا الحى السكنى الراقى !
بدا الولد سريعا متحفزا للبحث عن عدة أخشاب يوقد فيها النار لتَّهُبّ التدفئة فى هذا البرد القارص,
وجد ضالته أخيرا فجمع الأخشاب فى علبة من الصفيح وأشعل فيها النار وجلس القرفصاء مقابل والده والمدفأة _من صنع الولد_ بينهما تنبعث منها دخنة بعض الكراتين الصغيرة التى أشعل الولد من خلالها النار ,
إستقامت قدم الولد اليمنى وهَمَّ بفرد إحدى تشميرتى بطناله الداكن ليس فى لونه ولكن بسبب طبقات الإتساخ التى تكسوه فأخرج (ٍسيجارة) كانت مُخبأة فى تشميرة البنطال وغمس طرفها فى المدفأة ليشعلها ووالده ينظر له بإعجاب بالغ ويطلب منه (نَفَسْ) نظرا لنفاذ السجائر الخاصه به والولد يتمنع بسخرية ,,
يساومه والده فى جو من المرح بينهما ويرفض الولد رفضا قاطعا ويضحك بشدة على منظر والده الذى يساومه على(نَفَسْ) من سيجارته ..

أثناء مرحهما يأتى شخص يعبر الطريق ذو قميص لبنى يحمل شارتين على كتفيه وبنطال أزرق يبدو من الوهلة الأولى كحارس أمن,, يسأل الولد ووالده عن سر جلوسهما على هذا الرصيف فى هذا الطريق الرئيسى ويبدى إعتراضه على أكوام القمامة الثلاث التى بجنابهم فيستسمحه الوالد بضعة دقائق لتمر سيارة القمامة الكبيرة تحمل تلك الأكوام وينطلقا معها ,,
بينما يتطاول الولد عليه بالسؤال: هو رصيف أبوك ؟! أم أنك تريد المشاكسة وفقط !!
يعتذر الأب لحارس الأمن فينصرف ليعبر الطريق إلى الرصيف الأخر,,
 يتبعه الولد بعينه فتنتهى عينه إلى متجر إستهلاكى  كبير (هايبر ماركت) يحاول الولد بصعوبة أن يعرف  أسمه لكنه يفشل فى قرأة كلمة (مترو) التى تعلو باب المتجر نظرا لعدم معرفته البته بالقرأة والكتابة,فينشغل الولد بسيجارته التى قاربت الإنتهاء ويكتم الحنق بداخله على والده الذى لم يُلحِقُهُ بمدرسة ككل الأطفال فى سنه ,,
يسأل والده بشرود ذهن : هل سأظل طوال عمرى دون معرفة القرأة والكتابة 
 هكذا ؟!
فيؤمى الولد برأسه مؤكدا على مقولته ,
يعترض الولد بسؤال آخر: لو كانت أمى على قيد الحياة كانت علمتنى ؟!
يرد الوالد: الله يرحمها.
يطيح بعقب السيجارة المنتهية من يده فيقع فى المنطقة بين شريطى القطار ويركز عينه على موضع العقب متناسيا حركة السيارات الكثيرة والسريعة على جانبى الرصيف ويشرد بذهنه ,,
ثم يخبر والده : لما أكبر هعلم أولادى وحدخلهم مدارس.
فيضحك الوالد بسخرية : لقد كبرت قبل أوانك أصلا !
لا يبالى الولد ويكمل: ولن أتركهم للعمل منذ الصغر.
يلفهما صمت لثوانٍ معدودة,
 ثم ينفجر بسؤاله الصارخ بداخله :لماذا نعمل فى جمع القمامة ؟!!!!!!!
لماذا لم نعمل بأى شىء آخر ؟؟
يصمت الوالد فى لامبالاه مصطنعه ,, ثم يلفهما الصمت لدقائق قليلة .
يقطعها الولد بقوله: أنا جائع
يخبره الوالد بإنعدام النقود لديه ويطلب منه الإنتظار لحين مجىء سيارة القمامة الكبيرة ,
فيزيغ الولد ببصره بين السيارات الفارهة المارة على جانبى الطريق ذهابا وإيابا,,ويحلم بالجلوس داخل إحداها _فقط_مجرد الجلوس !!

بينما يتأمل الولد تلك السيارات تقف سيارة (BMW) سوداء اللون يبادر سائقها بالنزول مسرعا ويفتح الباب الخلفى فى الجهة اليمنى للسيارة فتخرج إمرآة أربعينية شقراء ترتدى بلوزه مفتوحة الصدر وتنوره تكاد تصل لركبتها إلا قليلا يتأملها الولد فى حيرة بالغه لعينيه التى تروح ذهابا وإيابا بين السيارة وبين المرأة ,
سريعا ينظر لوالده فى إشارة ليشاركه التمتع بالنظر لتلك المرأة فينظر الوالد فى لامبالاته المعهوده,,
يسأل الولد والده: قلت لى من قبل إن زوجتك كانت جميلة جدا,, هل كانت تشبه هذه المرأة ؟؟
فيجيب الوالد: أمك..؟ أمك كانت أحلى منها 100 مرة
فتعلو ضحكات الإثنين معا..
يتمنى الولد لو كان رأى والدته  أو رأى لها صورة واحده فى حياتها نظرا لوفاتها أثناء ولادته !

يتابعان النظر للمرأة فتغيب عن أعينهما متوجهة نحو المتجر الكبير (مترو) تدخل ويجلس السائق فى السيارة منتظر خروجها فيعاود الولد التجول بعينيه بين السيارات المارة على جانبى الطريق ,,
تمر سيارة نصف نقل تحمل على ظهرها كوما من البرتقال ورجل يجلس فى الخلف بجوار البرتقال ,,
تقف السيارة لأجل الإشارة التى إزدحمت فجأة, فيطلب الولد برتقاله من الرجل,,دون تردد يرسل له الرجل برتقاله فى الهواء يتلقفها الولد ويبدأ بتقشيرها بأسنانه ينتهى من ذلك فيقسم البرتقاله نصفين ويعطى والده النصف ويخبره بسخرية بدلا من (نَفَسْ) السيجارة,,
 فتعلو ضحكاتهما معا.
أثناء تناول نصف البرتقالة لم تغب صورة المرأة عن ذهن الولد أثارته بملابسها تلك  فقرر الإقتراب منها فور خروجها أكثر ,
ركز عينيه صوب باب الخروج من المتجر بعد دقائق مرت لم يعرف مقدارها الولد,,خرجت  المرأة وخلفها أحد العاملين بالمتجر يجّرْ أمامه عربة مليئة بأكياس كثيرة تحمل فاكهة وأغذية مُعّلبة ساعدت الأكياس البيضاء الخفيفة على رؤية ما بداخلها.
أشارت المرأة للسائق, فجأة فُتحت حقيبة السيارة الخلفية وهّم العامل بتفريغ عربة الأكياس بداخلها ,,فى تلك الأثناء هب الولد من جلسته وتحرك نحو آخر الرصيف ليعبر الشارع ,لم يكن أحد فى الكون يعرف ماذا يحوى عقل الولد حينها ومالذى ينوى فعله , ناداه الوالد فلم يعبىء بندائه ,ظن الوالد أنه سيخطف أحد الأكياس ويجرى بعيدا ثم يعود فلم يهتم كثيرا ,
لامست قدما الولد أسفلت الطريق وجرى بإندفاع نحو سيارة المرأة وكانت قد دخلت سيارتها وجلست فى المقعد الخلفى على عكس مقعد السائق وأنهى العامل تفريغ الأكياس لم ينقصه سوى إغلاق حقيبة السيارة ,
زاد الولد من سرعته ليلحق بهما فجأة دوىّ فى المكان صوت فرامل قوية جدا من إحدى السيارات ثم أكملت سيرها بسرعة كبيرة لاسيما والإشارة مفتوحة فى تلك الأثناء..
لفت صوت الفرامل إنتباه الناس فاجتمعوا فى شكل دائرى لا إرادى, كان أحد هؤلاء المجتمعين هو حارس الأمن الذى حدث الولد والده منذ دقائق فأشار لأحدهم لينادى الوالد الذى مازال مستندا إلى اللوحة الإعلانية كما هو ,
نادى عليه أحدهم :ياعم إلحق إبنك !
قام الوالد بحركة متأنيه وعبر الطريق على مهل كان وصوله آخر حدث فى حياة الولد ,, فارق الحياة لحظة وصول والده ..


أحدهم لم ينجح فى ملاحقة السيارة التى أصابت الولد ولم ينجح فى إلتقاط أحرف رخصة تلك السيارة.
حاول المتجمعين مواسة الوالد لكنه لم يبدِ أى ملامح للحزن أو التأثر,,
 صادف وقوفه أمام ولده المُلقى على الأرض   ووجهه المائل للزرقة بقدوم سيارة القمامة الكبيرة ,,
ساعده إثنين من الناس بحمل الولد للرصيف المقابل لهم ,,
قام الوالد مسرعا بحمل أوعية القمامة بمساعدة زملائه فى سيارة القمامة ثم تحدث إلى السائق يطلب منه حمل جثة الولد على ظهر السيارة ليجد طريقة يدفنه بها فور الإنتهاء من يوميته, لم يبدِ السائق أى إعتراض فألقاه الوالد على ظهر السيارة بجوار أوعية القمامة ,, وإنصرفت السيارة متجهة نحو إحدى مستودعات القمامة الكبيرة بالعاصمة.

                                                     ..تمت..